النفس المطمئنة والنفس اللوامة

النفس المطمئنة والنفس اللوامة

أولاً : النفس المطمئنه :
فقد وردت ايات في كتاب الله عز وجل تشير إلي النفس المطمئنه ، قال الله تعالي (ياأيتها النفس المطمئنه، ارجعى إلي ربك راضية مرضية) وقوله تعالي (ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم) ( ) وقد اجمع المفسرون على ان النفس المطمئنه تعنى الآمنه وهي بشاره من الله ل...ها بالأحسن ونزع الخوف يوم القيامة وهى النفس الواثقه بفضل الله ورحمته تعالي .

و المطمئنه إلي ربها المطمئنة إلي طريقها . المطمنة إلي قدر الله بها المطمئنه في السراء والضراء وفي البسط والقبض وفي المنع والعطاء والمطمئنه لانها لا ترتاب فلا تنجرف والمطمئنة فلا تخطىء في الطريق ولا ترتاع في يوم الفزع والرعب.( )


الله جل جلاله خلق كل شىء بمقدار فأبدع خلقه حتى الدمج لم يخلقه الله سبحانه عبثا " لذا نجد من يقول تموت الروح وتذوق الموت لانها نفس وكل نفس ذائقه الموت ومن قال لها بذلك يستند لها بقوله تعالي " كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام " وقوله سبحانه "كل شىء هالك إلا وجه " . قال الله تعالي عن أهل النار " ربنا امتنا اثنين واحيينا اثنيين " فالموته الأولى للآبدان والأخرى للأرواح .
ومن قائل لا تموت الأرواح فانها خلقت للبقاء وانما تموت الابدان وبرهان القائلين : بهذا الرأى قوله تعالي : (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون ( ) هذا مع القطع بأن ارواحهم قد فارقت ابدانهم وقد ذاقت الموت فالموته المشهودة هى للابدان وليس للارواح .
والرأى الراجح عند ابن القيم " والصواب أن يقال موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها وخروجها منها فإن اريد بموتها هذا القدر فهى ذائقه الموت فأن اريد انها تعدم وتضمحل وتصير عدماً محضا فهى لا تموت بهذا الاعتبار بل هي باقية بعد خلقها في نعيم أو عذاب" ( )
ويقول الدكتور مصطفي محمود " الروح في القرآن تذكر دائما بدرجه عالية من التقديس والتنزه به ولا يذكر لها من عذاب أوهوي أو شهوة أو تطهر أو تدنس أو رفعه أو هبوط . أو ضجر أو ملل ولا يذكر انها تخرج من الجسد أو انها تذوق الموت ولا تنسب إلي الإنسان فإنها دائماً منسوبةً إلي الله".( ) قال تعالي ( فاتخذت من دونهم حجاباً فارسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا ) ( ) ( يلقى الروح من أمرة على ما يشاء من عبادى) ( )
اما النفس فهى دائما تذكر منسوبة إلي صاحبها ( وما اصابك من سيئة فمن نفسك)( ) (ومن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه) ( ) ، ويعرف العلم بأن النفس الآلهية لا تتشابه مع النفس الإنسانية الا في اللفظ ولكنها شىء اخر.( ) بينما يرى أخوان الصفا وأخوان الوفا ان النفس هي:" جوهرة روحانية سماوية حيه بالذات وعلامة بالقوة فعاله بالطبع تظل بعد مفارقه الجسد اما متلذذة مسرورة فرحانه واما مغتمة خاسرة". وهذا الكلام قريب من كلام ابن سينا حينما تحدث عن النفس النباتية والشهوانية والحيوانية والناطقة ولعل ما ذكره ابن القيم في مراتب النفس أو ما أطلق عليه " دور النفس أصوب الأقوال " .. يقول ابن القيم " فلهذه الأنفس أربع دور كل دار أعظم من التى قبلها ويذكرها على النحو التالي:
الدار الأولي : وهي بطن الام ولك الحصد والضيق والغم والظلمات الثلاث .
الدار الثانية : هى الدار التى نشأ فيها وألفها واكتتب فيها الخير والشر وأسباب السعادة والشقاء.
الدار الثالثه : دار البرزخ وهى أوسع من هذه الدور واعظم بل نسبتها إليه هذه الدار أولى.
الدار الرابعه : دار القرار وهي الجنه أو النار فلا دار بعدها والله ينقلها في هذه الدور طبقا بعد طبق حتى يبلغها الدار التي لا يصلح لغيرها ولا يليق بسواها والتى خلقت لها وهيئت للعمل الموصل لها ايضا ولها في كل دار من هذه الدور حكم وشأن غير شأن , الدار الاخرى فتبارك الله فاطرها ومنشئها ومميتها ومحييها ويؤكد ابن القيم في مدراج السالكين ان النفس دائما تسعى إلي الطمانينة قال تعالي ( الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب)( ) والطمأنينة هى سكون القلب والقلب لا يطمئن إلا بالإيمان ولذا يقسم ابن القيم الطمانينة إلي درجات هي :
- طمأنينة القلب بذكر الله - طمانينة الخائف إلي الرجاء
- طمانينة الروح في القصد إلي الكشف وهذا ما يطلق عليه حب الاستطلاع .
- طمانينة النفس إلي الامن وهو يسود بها الاستقرار . ( )

ثانياً : النفس اللوامه :
قال الله تعالي : ( لا اقسم بيوم القيامة ، ولا اقسم بالنفس اللوامة ) ( ) بأتفاق المفسرين المراد بالنفس اللوامة ( النفس الطائعة المتصفه بالتقصير التى تلوم صاحبها وتلوم ذاتها فهي النفس التى ان فعلت خيرا تلوم ذاتها على انها لم تكثر منه ، وان فعلت شرا أو فارقته تلوم ذاتها . ويروى عن الحسن البصرى في هذه الآية قوله : ان المؤمن والله مانراه الا يلوم نفسه، بقول : ما أاردت بكلمتي؟ ما أردت بأكلتى ؟ وان يمضى قدما ما يعاتب نفسة وليس احد من اهل السموات والارض الا أن يلوم نفسه يوم القيامه " ( )

النفس في القرآن هي المتهمة بالشح والوسواس والفجور والطبيعه الأمارة ، وهى كذلك ذات تدفق وعروج وهى يمكن ان تتزكى وتتطهر ، فتوصف بأنها لوامه وملهمة ومطمئنه وراجيه. قال تعالي ( وما اصابك من سيئة فمن نفسك ) ( ). (ومن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه) ( )
واما علاقه الهوى بالنفس اللوامة . وقال عز وجل (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى)( ) فالخوف هنا هو من عظمة الله وجلاله فيقدم الإنسان على سلخ نفسه بالإيمان والعمل الصالح يوم ملاقاة الإنسان ربه ليجازى كل فرد بما يستحقه وإن نهى النفس هو زجرها ونهيها عن المعاصي .. فإن من خشى ربه وخاف حسابه وعذابه وصرف نفسة عن هواها فقد فاز بالمنزلة التى يهنأ بها عند ربه يوم الحساب ، إن نهى النفس عن الهوى هو نقطه الإرتكاز في دائرة الطاعه فالهوى هو لدافع القوى لكل طغيان وكل تجاوز وكل معصية وهو اساس البلوى وينبوع الشر
ويوضح الحق سبحانه وتعالي بأن النفس اللوامة مراهنه الذات .. قال تعالي ( من عمل صالحا فلنفسة ومن أساء فعليها )( ) وقال تعالي ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ) ( ) والآيتان توضيح للشاهد الذى يلزم شهادته ، فالإنسان حجة بغيضه على نفسة وشاهده بما كان من سيء الأعمال أو حكيم الافعال. ( )
والنفس تبقي حيه بمقدار مراقبتها لذاتها ولذا فان النفس الإنسانية بحاجه دائمة إلي التذكير

المصدر كتاب الدكتورة رانيا محمد استاذ اللغة العربية جامعة دمنهور